الأحد، 7 يوليو 2019

مدمنو المخدرات موتى في عالم الأحياء


مصر الناس
كتبت-زينب محسن
في عالم المخدرات شباب مراهقون وكبار تاهت بهم السبل، أرواح قلقة وبيوت مهدمة لا تعرف الاطمئنان، كم من فتى أضاع مستقبله، وكم من فتاة تعيش في عالم المجهول، قصص وحكايات، ربما لا تراها لكن ضحاياها وآثارها واضحة لمن يعيشون في دائرة الظلام والوهم، دائرة المخدرات.
ظل بالى مشغولًا بهؤلاء الضحايا حتى عثرت على دار لرعاية الرجال تضم كل شخص لا يجد رعاية من المجتمع.
دخلت الدار وجدتها واسعة جدا، تضم كل الفئات، عندما نظرت في وجوه من بها وجدتها عابثة حزينة وصدورهم لم تكن بوسع المكان الذي يقيمون به.
أول من تحدثت معه كان شابًا في مقتبل عمره، أضاع ثلاث سنوات من العمر في الإدمان، لكنه الآن "مدمن متعافي"، يُدعى (ج.ف)، يبلغ من العمر 26 عامًا، يعيش في أسيوط وسط عائلة مفككة، الأب والأم منفصلين، ويحيا هو وأخته مع والده وزوجته، وبدأ "ج" يسرد قصته قائلًا:
كانت بدايتي طالب متفوق دراسيًا حتى الصف الثالث الثانوي، وبجانب الدراسة كنت أعمل صنايعي محارة، وفى هذا الوقت لجأت للتدخين وكان هو بوابتي الأولى لمرافقة أصحاب السوء والوقوع في فخ المخدرات من دون إدراك مني، قصتي مع المخدرات بدأت حينما كنت أجلس مع أصحابي على القهوة وقام أحدهم ممن كان لي معه خلاف بوضع شيئاً لي في الشاي، جعلني شخصاً آخر، شعرت بأشياء تسير على الأرض وأقوم بضربها وأتخيل إنني أطير "عامل دماغ" وأشعر بالفرح، لكن أراد الله أن يكشف الحقيقة عن طريق أحد الأصدقاء لكن بعد فوات الأوان فكانت إرادتي ضعيفة واستجبت بسهولة للمخدرات بل أصبحت أطلبها بنفسي.
أما عن طريقة جلبه للمخدرات، حكى: في البداية كنت أحصل عليها من راتبي الشهري، كنت أتعاطى أصناف في متناول الأيدي مثل شريط "الإماتريل" الذي كان يبلغ سعره 5 جنيهات فقط، أو شريط "الباركينول" الذي لم يتجاوز جنيهان ونصف جنيه، بالإضافة إلى قرش الحشيش، وعندما تعمقت أصبح ما لدي من مال لا يكفي فلجأت لبيع أشياء من المنزل وسرقتها.
معاناة مدمن
تعرضتُ لمعاناة كثيرة في حياتي بداية من انفصال أسرتي وزواج الأب وعدم الاهتمام، مرورًا بالاستجابة للمخدرات بسهولة والذل والإهانة في سبيل الحصول على جرعة حشيش أو مخدر، نهاية بمطاردة الشرطة لي حينما كنت أجلس مع أصحابي نتعاطى وهاجمتنا الشرطة، فمنهم من فر ومنهم من قُبض عليه، أما عني فخلال محاولة هروبي صدمتني سيارة، تسببت في انفصال الشبكية في عيني، وبالطبع كانت المخدرات تقف عائقًا بيني وبين العلاج فكان من الصعب علاجي وكانت النتيجة عاهة مستديمة بقية عمري.
رحلة علاج
منذ أن فقدت بصري بسبب الإدمان أصبحت أتمنى في كل لحظة التخلص من سموم المخدرات وخروجها من جسمي لكن الإرادة كانت ضعيفة إمام كابوس الإدمان.
وذات يوم اقترح "خالي" إدخالي المصحة النفسية لعلاج الإدمان، وتم ذلك بالفعل وأثناء وجودي في المصحة حينما كنت أشعر بحاجة للمخدر كانوا يعطوني أنبول "نورين" وكل فترة يقوموا بعمل تحليل للمدمنين تكون نتيجتها سلبية، وأحيانًا أخرى إيجابية، ولجأت للهروب أكثر من مرة ولكن أهلي كانوا يجبروني على الرجوع إلى أن مكثت بالمصحة ثلاثة أشهر وخرجت منها أكثر من الأول وتعرضت للانتكاس أكثر من مرة، والسبب وجود أشخاص يجلبون المخدرات في المصحة للشباب والمشكلة الأكبر علم المشرفين في المصحة بذلك.
ويستكمل قصته، قائلًا: مرت الأيام وقررت العودة للعلاج مرة أخرى في دار رعاية الرجال، التي فيها وجدت رعاية كاملة ومعاملة جيدة وفي أثناء علاجي من الإدمان كانوا يسمحون لي بالتدخين فقط حتى أتنازل عنه بالتدريج وبالفعل تم ذلك وشفيت نهائيًا.
أما عن دور مدير الدار، حكى عنه "ج"، قائلًا: من أسباب تشجيعي على العلاج بجانب خالي وأختي الوحيدة، يأتي دور الأستاذ منصور مدير الدار، فهو من قرر أن يتبنى حالتي بالعلاج ورغم أن الدار للمسنين وأطفال الشوارع لكنه فضل أن أكون أول حالة إدمان تُعالج فيها، واستمر معي حتى تعافيت نهائيًا ولم يتركني بل طلب مني العمل في الدار وعندما علم بأن هناك قافلة طبية تابعة لمؤسسة مصر الخير، قام بتقديم أوراقي للمؤسسة لمساعدتي في إجراء عملية وإرجاع بصري مرة أخرى.
لحظة ندم
ندمت كثيرًا على تجربتي في المخدرات وإهانتي وذلي في سبيل الحصول عليها، ندمت على إرادتي الضعيفة وعلى كل لحظة ضاعت من عمري في الإدمان وكل ما أتمناه حاليًا أن أعيش حياة نقية خالية من أصحاب السوء، مليئة بالأمل والتركيز في حياتي وعملي واستكمال دراستي.
وأنهى حديثه، بهذا الدعاء: "اللهم أعفني وأعف عني وتولني برحمتك وأرجع لي بصري".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق