الجمعة، 2 يونيو 2017

زينة رمضان من عصر الفاطميين إلى عصر التكنولوجيا

تصوير - حنان فوزي الميهي

كتبت - حنان فوزي الميهي

كانت مصر ولا زالت بلدًا متقبلاً لكل مظاهر البهجة، فالمصري عُرف دومًا بخفة دمه، وروحه التي تميل إلى كل شئ مبهج، فاستغل الفراعنة القدامى هذه السمات المتأصلة في المصريين، وحكموهم بالبهاء، فكانت المواكب الفرعونية تأخذ بالأبصار ومن بعدها العقول والقلوب، فما إن يشاهد المصريون الكادحون هذه المواكب المزركشة فيسارع الجلال والرهبة والتعظيم للدخول في نفوسهم تجاه أصحاب هذه المواكب.


وجاء الفاطميون لمصر رافعين الأعلام السوداء لمذهبهم الديني، فيرجع أصل الدولة الفاطمية إلى المذهب الشيعي، الذي يتخذ من الأعلام السوداء شعارًا له؛ حزنًا على الحسين، ولكن مع مصر الوضع جد مختلف، فلن يتقبل المصريون تلك الأوشحة السوداء، فكفاهم سواد معيشتهم، ومن ثم وجد الفاطميون أن يتقربوا للمصريين بما يناسبهم، ويجذب حبهم، وماذا يجذب قلوب المصريين أكثر من الطعام والزينة؟ فسارع الفاطميون بصبغ حياة المصريين بكل الأشياء المبهجة، كألوان القماش المزركش الذي يرجع أصله إلى بلاد فارس.


وارتبطت هذه الأقمشة المزركشة بالمناسبات الدينية ولا سيما رمضان، فاتخذوا منه أعلام تبعث على البهجة بدلاً من تلك الأعلام السوداء التي لم تتقبلها عيون المصريين، وأُضيئت المصابيح بالألوان لتستقبل رمضان بشكل مميز لم يعهده المصريون، ليدخل المذهب الجديد في قلوبهم ولو حتى كان سبيل دخوله هي أعينهم، وكذلك ارتبطت كل المناسبات الدينية بالأكلات الفاطمية الجديدة، فظهرت الكنافة والقطائف ولكن هذا الظهور الموسمي لا يستمر طوال العام، فما إن ينتهي رمضان تنتهي معه هذه الأكلات، لتظهر أكلات أخرى في مناسبات أخرى.


وصبغت السنين زينة رمضان بذاكرة الزمن، فأضافت بكار على القماش الفارسي المزركش وكان المكان متسعًا لدخول بوجي وطمطم هذا السباق، بل والأعجب دخول أبلة فاهيتا والمفتش كرومبو في ساحات أقمشة رمضان المزركشة، وفي منطقة الخيامية في قلب القاهرة الفاطمية تُباع كل هذه الزينة سواء مُجمعة وجاهزة أو قطع تحتاج إلى تجهيز وإعادة إنتاج.



«أبو يوسف» في هذا المكان يُعيد روح البهجة لفوانيس السنوات السابقة، بل ويصنع الفوانيس الجديدة تحت الطلب، فيمكنك تحديد الحجم والألوان والتحكم أيضا في السعر، فهنا يُصنع الفانوس العمولة، ويُصلح الفانوس الخربان ليحيا من جديد.



ولم يعد قماش الزينة قاصرًا على الشوارع فحسب، بل أصبح يدخل في تركيب كل أثاث البيت، ليعطى للبيت نكهة رمضانية مُحببة للنفوس، فعلب المناديل وسلات القمامة وأواني الفاكهة كُسيت بهذا القماش الفارسي الذي نُسي أنه فارسي أو فاطمي، مُكتفيًا فقط بهويته الرمضانية، ليس هذا فحسب، فلرمضان تتزين كل الأشياء الشوارع والبيوت والسلال وحتى «القلل».






ومع غلاء الأسعار لديكورات رمضان المنزلية، معظم العائلات قررت أن تقوم هي بصنع هذه الزينة مكتفية بشراء المواد الخام، لتضفي على البيت بهجة أثناء صناعتها وكذلك تضيف بعض الأموال إلى ميزانية رمضان التي لا تعرف إلى الآن مراكز الأبحاث العالمية ولا صندوق النقد الدولي كيف تدبر الأسر المصرية ميزانية هذا الشهر!







السبت، 13 مايو 2017

"أنا بخير اطمئنوا" .. أول معرض يوثق مقتنيات النساء

معرض "أنا بخير .. اطمئنوا" .. تصوير - حنان فوزي الميهي

كتبت - حنان فوزي الميهي

فستان أنيق من ستينيات القرن الماضي، قطع فخارية مُتقنة الصنع، شهادات تقدير وصور تذكارية، متعلقات شخصية وجوائز، قبعة وايشاربات ومنسوجات مُطرزة، مكحلة ونضارة ومذكرات بخط اليد، ومع كل هذه الأشياء نبذات مكتوبة عن حيوات صاحبات هذه الأشياء، بالإضافة إلى العديد من الزوار المصريين والأجانب، هذا المشهد من معرض "أنا بخير.. اطمئنوا".



أقامت مؤسسة "المرأة والذاكرة" هذا المعرض في الجامعة الأمريكية، بشراكة مع العديد من المنظمات العالمية والإقليمية كمتحف المرأة في الدنمارك، مركز طراز في الأردن وحدة الأنثروبولوجيا ومركز سينثيا نيلسون في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، المعهد الدنماركي المصري للحوار، وورشة المعارف بلبنان.


وفي حديث لمصر الناس مع "ميسان حسن" مديرة البرامج في مؤسسة المرأة والذاكرة، ذكرت أن المؤسسة بهذا المعرض تهدف إلى إلقاء الضوء على الحراك النسوي، وتوثيق حيوات النساء المناضلات والناجحات في مجالات مختلفة، وحكي حياتهن من خلال متعلقاتهن الشخصية، وعن اسم المعرض "أنا بخير.. اطمئنوا" قالت ميسان أن هذه الجملة مُقتبسة من مذكرات إحدى النساء في المعرض "وداد متري" المناضلة من أجل حقوق النساء عندما أرسلت رسالة من السجن لطمأنة الجميع عليها لتكتب لهم "أنا بخير.. اطمئنوا".



وقالت "عاليا المراكبي" الطالبة بالصف الثالث في قسم الأنثربولوجي بالجامعة الأمريكية، أثناء عرضها كلمة في افتتاح المعرض، أن عشرين شخصًا من خلفيات أكاديمية وبحثية مختلفة قاموا بالإعداد لهذا المعرض، لجعله مُلهمًا لغير المتخصصين، وقادرًا على حكي حيوات النساء المؤثرات، ومن ضمن هذه التخصصات المختلفة: تخصص العمارة والمتاحف وتصميم الجرافكس والعلوم الاجتماعية.

الحفل الافتتاحي للمعرض على مسرح الجامعة الأمريكية

وفي أثناء الحفل الافتتاحي للمعرض على مسرح الجامعة الأمريكية بالفلكي لم تكن النساء فقط هن موضوع المعرض، بل كن أكثر الموجودات والمتحدثات، بل لم يكن الأمر كذلك فحسب بل تعداه لأنّ يكون معظم الوجود الإعلامي لتغطية المعرض  نساء، حتى عندما خرج رجلاً وحيدًا للحديث في الحفل الختامي لم يكن وحده على المسرح، إذ كان هناك مصورتين يلازمنه الحضور وكأن النساء بغير قصد يردن أن يبعثن برسالةٍ خفية مفادها "اطمئنوا ..نحن بخير وقادمات" ومن المقرر أن ينتقل المعرض في محطاته القادمة إلى لبنان والأردن والدنمارك ليعود مرة أخرى للقاهرة في نهاية هذا العام.

فستان للفنانة الراحلة هند رستم
 ومن ضمن النساء اللاتي يعرض قصص حيواتهن المعرض، هند رستم التي لفت فستانها أنظار الجميع، فضلاً عن مقتنياتها الشخصية من حذاء وقبعة ونظارة شمسية وأدوات تجميل، وكذلك مجموعة مقتنيات السيدة ملك حفني ناصف التي تعد أول فتاة مصرية تحصل على الشهادة الابتدائية، وأول امرأة مصرية نادت بمساواة المرأة بالرجل.

بعض مصنوعات الفخار الموجودة في المعرض

وبعض مصنوعات الفخار المصنوعة بدقة ومهارة لصانعة الفخار "راوية محمد" التي أحدثت ثورة في صناعة الفخار في مصر، زي تقليدي مُطرز ومشغولات التطريز لأم إبراهيم الفلسطينية مع لمحة عن أنها تعاني الآن لعدم مقدرتها على استكمال حياتها اعتمادًا على هذه المهنة، وضمن الحاضرات في المعرض بقصصهن ومقتنياتهن أيضا السيدة حياة شريف وبلسم أبو روز ومايسة مصطفى وندى عبد الرحمن وسعدية حسين وغيرهن.


الاثنين، 1 مايو 2017

مهرجان الطبول .. رسالة سلام عالمية لم تلق الترويج الذي تستحقها

صور أرشيفية

كتبت - حنان فوزي الميهي

قديمًا تغنى الشعراء بجملة "دقت طبول الحرب"، وتصدر بها بيرم التونسي في أوبريت شهرزاد عام 1921، حين غنت فرقة سيد درويش "دقت طبول الحرب يا خيالة وآدي الساعة دي ساعة الرجالة"، وكل ثقافات العالم أجمعت أن الطبول ما هي إلا نذير حربٍ. ولكن كان لمهرجان الطبول رأيًا آخر في هذه العبارات.


 حملت الطبول على عاتقها هذه المرة راية السلام بدلاً من نذير الحرب، وكانت مرآة لثقافات الشعوب بعد أن ظلت لأكثر من 6000 عام تُدق كدعوةً من الآلة عند المعابد ليجمع بها الكهنة العُباد أو الجنود للحروب حتى جاء الفنان "انتصار عبد الفتاح" باقتراحه مهرجانًا للطبول عام 2013. 


ومنذ ذلك الحين للآن يُقام مهرجان الطبول الدولي تحت شعار "طبول من أجل السلام"، وتشارك في هذا المهرجان الدولي العديد من الدول كل عام، فقد شاركت في دورته الأولى بلادٍ عدة؛ فقد جاءت ثقافات القارة السمراء متمثلةً في عروضها، وحضر فلكلور جليد روسيا وكذلك طبول اليونان التي لطالما دُقت لزيوس جاءت كل هذه الثقافات وغيرها لتدق للسلام على أرض مصر.

ومع نجاحات المهرجان واصل تقدمه حتى الدورة الخامسة له في عام 2017، ووسط ما تشهده البلاد من توتر أمني، أقيم المهرجان في القاهرة ليؤكد أن الفن باقٍ وقادر على أن ينتزع ضحكاتٍ مُبهجة من وجوه المصريين وكل من حضر المهرجان من دول العالم، فقد تم تقديم أكثر من 70 عرضًا فنيًا في سبعة أماكن في مصر، وحضر الآلاف من المصريين هذه العروض ببهجة افتقدوها في روتين يومهم العادي.


وكانت الإكوادور هي ضيف شرف المهرجان، لتعلن عن دخول قارة أمريكا الجنوبية في هذا المهرجان الدولي الذي مازال يحبو في سنواته الأولى ويفتقد الكثير من الترويج، ورغم ذلك فقد حضره في هذه الدورة 30 دولة من مختلف أنحاء العالم، ليقدموا ثقافاتهم عبر قرع الطبول وعزف موسيقاهم المتباينة الأنماط والأصوات.


وقد عزف المشتركون تراثهم في عدة أماكن، كان أبرزها شارع المعز، فرغم هذا الهدوءٌ المصبوغ بنكهات التاريخ الإسلامي، حيث سكن السلاطين والملوك والأمراء، فهذا قصرٌ مشيد، وتلك مقامٌ مُزخرف ينام تحته وليٌ أو سلطان، أو مملوك جاء من بلدٍ بعيد فتحول إلى والي أو أمير، وهذا حال كل من يأتي مصر، فعندها كما قالوا تتمصر الأشياء، وتتحول كما لم تتحول من قبل، ففي وسط هذا الهدوء النسبي الذي يشهده شارع المعز جاءت الطبول لتقلب الوضع رأسًا على عقب، فهنا كانت الأصوات تتداخل لتعلن عن مهرجان عالمي لم تسنح له الفرصة ليرى النور ويأخذ حقه في مصاف المهرجانات العالمية، فمن بين المهرجانات العالمية الشهيرة كمهرجان التراشق بالطماطم بإسبانيا، ومهرجان المصابيح في تايلاند وغيرها، يأتي مهرجان الطبول بنكهةٍ عالمية فلكلورية خاصة، إذ تمتزج فيه الثقافات الفرعية لأماكن شتى تُعبر عن نفسها فقط بالموسيقى الشعبية ذات الطابع المميز لكل بلد على حدى.


وبينما كانت تشارك دول العالم بتراثها المتنوع، شاركت مصر بتراثاتها المتنوعة، فلم تكتف مصر بعرض نموذج واحد من الفلكلور، بل عرضت العديد والعديد من العروض والثقافات المتمايزة من فلكلور نوبي وصعيدي وبحراوي وبدوي وغيرها العديد من الثقافات المتنوعة التي تتميز مصر باحتوائها في بوتقة ثقافية فريدة من نوعها.



وفي ختام المهرجان كان للأقصر نصيبًا من هذا العرس الثقافي، إذ احتفلت الطبول بها كعاصمة للثقافة العربية لعام 2017 ولكن على طريقة الفلكلور العالمي للموسيقى، كل بلدٍ حسب ثقافته، وكأن هذا الحفل يمزج كل ثقافات العالم وتاريخه معًا في بلدة من أقدم بلاد الحضارة البشرية كافة، واشترك السياح في هذا المرجان الدولي المُبهج بوجوه ملؤها الأمل والأماني بأن يتثنى لهم العودة في العام القادم لكي يشتركوا في هذا المهرجان مرة أخرى في ظروف أكثر أمانًا واستقرارًا، وبمشاركة ودعايا تأتي حقًا على قدر هذا المهرجان الفريد من نوعه.


الخميس، 27 أبريل 2017

"عم علي".. "فنان" يبيع الهدايا والبهجة في رسائل بالإسكندرية

"عم علي" الفنان .. تصوير- دينا النجار

كتبت - دينا النجار



"ماكينة قص كهربائية، وكرسي في زاوية الشارع" .. تلك أدوات عم علي، أربعيني، ليصمم هدايا الفرحة، ورسائل البهجة، في ميداليات تذكارية، وكلمات رمزية من البلاستيك، والفوم، والتي لا تتعدى سعر الواحدة 7 جنيهات، تختلف على حسب الرغبة من الناظرين والعابرين، في زاوية متفرعة من شارع الكنيسة المارونية في منطقة المنشية بالإسكندرية.


يقول عم علي لـ "مصر الناس": "لا يتأثر السعر بارتفاع باقي الأسعار، وتتراوح سعر الميدالية من 5 لـ 7 جنيه حسب التصميم المطلوب، والبراويز الفوم لا يتعدى سعرها 35 جنيهًا باختلاف الألوان والخامات المطلوبة، فمن يَرحم يُرحم".


عند مرورك بجانبه تجد لوحة جانبية تحدق بعينك فيها تلقائيًا على اسمك، أو اسم من تحب، برؤية خاطفة لتلك الميداليات بحروف أو أسماء مقصوصة مزخرفة متعددة الأشكال والألوان، فما يصنعه من ميداليات وهدايا بتصميمات وجذابة، حتى اشتهر بـ "الفنان".


في صغره كان يجوب الشوارع لبيع الهدايا، وبرغم الظروف التي لم تسمح له باستكمال تعليمه الأساسي، فهو حريص على تعليم أولاده وإتمام رسالته كاملة، حتى خلقت رغبتهم في تعلم حرفة والدهم وكثيرًا ما يطلبون تعلم مهنته ولكنه يرفض لصغر سنهم: "الحمد لله من صغري خطي حلو بشهادة كل الناس، ومن وأنا عندي 12سنة كنت بلف على رجلي أبيع الميداليات اللي عليها صور المشاهير زي نجوم الفن والكورة، ولدي4 أبناء في مراحل تعليمية مختلفة، وهم فخورين بمهنتي". 

ويتابع: "اتعلمت أشتغل على ماكينة القص اليدوي في ورشة هنا في المنشية، ولما كان عندي25 سنة اشتريت ماكينة قص يدوي وقعدت هنا أشتغل لأني كنت حابب اشتغل مع نفسي وحابب أصمم الشغل اللي في دماغي، ومكنش عندي إمكانية أجيب محل حتى إيجار وقتها وكان شغلي كله في الشارع".


كان محل حديث من حوله، بعضهم يدفعه بكلمات تشجيعية: "كنت بشتغل جنب محل كمال سعد الله يرحمه صاحب شركات صناعة الورق في المنطقة، وكان من وقت للتاني بيجي يشوف شغلي ويشجعني وبقالي هنا حوالي 20 سنة".

وعن احتياجات السوق المتغيرة، وأدواته، يقول "عم على": "زمان كان الإقبال على الميداليات اللي عليها صور المشاهير، دلوقتي الإقبال على الأسماء والحروف أكتر، والشكل الجديد دلوقتي لهدايا المناسبات الحروف الفوم والبراويز اللي بتتعمل باسم العريس والعروسة ومناسبات التخرج والشغل ده عليه إقبال كبير جدًا، وظهور أنواع جديدة من المكن بدل اليدوي فيه كمان المكن كمبيوتر وليزر كمان".

يصف تصميماته من خلال الماكينات الحديثة بالجمود بالرغم من الدقة الشديدة، فيري التصميم والقص فن وليس رسمة تنفذ بدون إضافة لمسات يدوية: "المكن اليدوي بيخليك تبدع وأنت شغال وممكن تضيف حاجة جديدة وطول ما أنا شغال إيديا بتشوف أية الأنسب والأحلى، والقص اليدوي بالرغم أنه قديم والشغل بالمكن الحديث أسرع ومكسبه أعلي بس فيه روح وشكله مميز عن شغل مكن الليزر والكمبيوتر".


"الأرزاق على الله والقليل يكفي"، تلك كلمات يصف بها المبالغة في ارتفاع أسعار بضائعه بعد بيعها للتجار: "كنت بعمل شغل للمحلات اللي بتبيع الميداليات واكتشفت أنها بتتباع بأسعار عالية أوي أكثر من مكسبها بكتير عشان كده بطلت أبيعها لكل التجار عشان الاستغلال وببيع جمله وقطاعي، وكمان بعمل لافتات حجز بالأرقام للمطاعم بالطلب وده من خلال تسخين ألواح البلاستيك وتبريدها وقص الأرقام ولصقها".


أما رسائل البهجة التي يسعى "عم علي" توصيلها للجميع هي عبارة عن لافتات علي ورق كرتون ولوائح من البلاستيك تحمل نصائح للشباب للعمل والحفاظ على بلادهم، مازحًا: "فيها عبارات سخرية من ارتفاع الأسعار، وجشع المدرسين، والدروس الخصوصية، وأصحاب المحلات، وارتفاع أسعار الأدوية وكشف الأطباء".








الاثنين، 24 أبريل 2017

"تسعينات" .. مركز ألعاب وسينما يمنع التدخين ويعيد الذكريات بأسيوط

تصوير- سمر بهنساوي

كتبت - سمر بهنساوي

باستخدام عازل حراري لمكيف هواء، وبعض الألعاب والصور والرسومات البسيطة التي ترجع لفترة التسعينيات، بني مركز الألعاب في جراج بنايه أمام كافيتيريا سلطانة في شارع الروضة المتفرع من محمد علي مكاري المقابل لجامعة أسيوط، أنشأ شاب وفتاتين سينما ومركز ألعاب يعيدا ذكريات الطفولة لجيل التسعينيات.

على خلاف المتعارف عليه في مراكز الألعاب الحديثة والمعروفة باسم "السيبر أو البلايستيشن"، قرر خريج كلية الحقوق وليد محمد وصديقتيه هناء ورحاب مصطفى أن يقيموا سينما صغيرة ملحقة بمركز ألعاب تحمل جدرانه وألعابه ذكريات الطفولة لجيل التسعينيات وبداية الألفينيات.

كما قرروا منع التدخين إلا في مكان محدد داخل المركز، وهذا ما ميزه عن مراكز الألعاب الأخرى بالمحافظة وعمل على استقطاب الفتيات على غير المعتاد في مثل هذه الأماكن.

يتكون المركز من مدخل يحمل اسم تسعينات باللون البني، ودرج من الرخام يتجه بك إلى أسفل إلى صالة مستطيلة الشكل -على جانبي المدخل يوجد مجلس عربي مخصص للمدخنين- في نهاية الصالة تجد ثلاث غرف متقابلة، غرفة مخصصة للعبة HTCVIVE، وأخرى للبلايستيشن، وثالثة للسينما، ويفصل بين الغرف الثلاثة والصالة كافيه صغير يقدم المشروبات الباردة والساخنة.

غرفة HTC VIVE:




أصوات ضحكات ممزوجة بموسيقى لعبة "ماريو" وهتافات لعبة "FEVA" تصدر من غرفة مستطيلة الشكل التي تمتاز بلونه الأزرق الداكن، تزين حائطها الأيسر مجسم من ورق الفوم للعبة، يتوسطها 4 شاشات عرض متصلة بأجهزة الأتاري والبلايستيشن باختلاف إصداراتها، وصورة باللون الأبيض لزراع البلايستيشن تزين الحائط المقابل ويتميز الجدارين المتبقيين باللون الزرق الداكن وعلى الأرض تجد مقاعد أسفنجية مريحة بألوان مختلفة منها الأصفر والأخضر والأزرق.

يقول وليد إن "فكرة تسعينات تم اقتباسها من كافيه سبعينات الموجود بالقاهرة، في بداية الأمر كانت تصورنا أن هذه الغرفة هي الأساس كمجرد سيبر أو بليستيشن لكن بعد التشاور مع الشركاء وبعض الأصدقاء اتفقنا على إقامة مكان يعيد لنا ذكريات الطفولة".

ومقابل هذه الغرفة المستطيلة غرفة أخرى غير منتظمة الشكل مدخلها ستارة جلدية سوداء ممزقة كتب أعلاها باللون الأحمر الدموي HTC وأثار لثلاث كفوف حمراء يسيل منها الدماء، ومن الداخل حائط بيضاء علق عليها سلاسل حديدية متصلة بكرسي حديدي ملطخ باللون الأحمر، ويتدلى منها كف بشرية، ويسيل من سقف الغرفة على هذا الجدار لون أحمر كأنه دماء شخص ما، يري الناظر من خلالها كلمات بالإنجليزية (YOU NEXT-HELP) كأنها آتيه من عالم آخر.

غرفة الـ HTC VIVE

والجدار الأبيض الأخر مقسم إلى جزأين أحدهما لوحة جلدية سوداء رسمت عليها رسومات ورموز تشبه تلك الموجودة في كتب السحر، والجزء الأخر به عين سوداء ذات إطار أحمر يسيل منها كأنه الدماء.

يوضح وليد أن "هذه الغرفة مخصصة للعبة الرعب ثلاثية الأبعاد HTC VIVE وألعاب الرعب الأخرى، وصمم هذا الديكور طالبان في كلية هندسه أسيوط ". 

"كافيه وسينما"


يفصل بين الصالة الألعاب من جهة وغرفة البلايستيشن والـ HTC كافيه صغير مفتوح يشبه طراز المطبخ الأمريكي، يقدم المشروبات الباردة والدافئة وبعض الحلويات، وعلى غير المعتاد ترى قائمة الطعام مكتوبة على جدار الكافيه بالطباشير.

غرفة الكافيه ومنها تصل إلى غرفة الـ HTC

وهنا يقول الشيف "قمنا بافتتاح غير رسمي للكافيه مع بداية شهر فبراير -أي من شهرين تقريبًا- تزامنًا مع مباريات مصر في كأس إفريقيا، هذا ما جذب إلينا أعداد ضخمة من الشباب والفتيات، وبدوره تسبب هذا في الضغط على الكافيه بشكل كبير وذلك لأننا لم نتوقع هذه الأعداد وقوة الكافيه لم تستطع تلبية كل الطلبات".

وهنا يضيف وليد محمد "لم نكن مستعدين للافتتاح بعد، بدأنا عرض مباراة مصر الأولي في إفريقيا لأصدقائنا المقربين، بمجرد أن سمع الناس في الشارع صوت المباراة توافد علينا جموع من الشباب، لكن سرعان ما ذهبوا وأصبح المكان خاليًا بعد أن حدث انفجار صغير قي الدائرة الكهربية تسبب في انقطاع الكهرباء، وفي المباراة التالية كان معظم الزبائن من الفتيات والقليل من الشباب وفي المباراة النهائية كان الزبائن أسر كاملة".

ومقابل الكافيه غرفة مظلمة مليئة بالكراسي الجلدية تشبه قاعة المؤتمرات في نهايتها لوحة بروجكتور بيضاء كبيرة، وجداران سوداء عازلة للصوت، لتكون هذه الغرفة سينما صغيرة لسد الفراغ الذي حدث نتيجة إغلاق سينمات أسيوط والصعيد كافة منذ سنوات ليست بالقليلة، تقام حفلات خاصة يومي الخميس والجمعة بسعر مخفض سعر التذكرة يصل لـ 20 جنيهًا، وباقي أيام الأسبوع يتحدد سعر التذكرة طبقًا لعدد الأفراد إذا كان العدد أكثر من 7 أشخاص تكون التذكرة 20 جنيهًا، وإذا كان العدد 5 أو 6 أشخاص يكون السعر 25 جنيهًا وهكذا.

قاعة السينما

وعن كيفية بناء العازل الصوتي للسينما يقول وليد أنه تعب كثيرًا في هذا الشأن ولم يجد أشخاص أو شركات متخصصة في أسيوط مما جعله يتجه للقاهرة لعرض الأمر لكنه وجد الأمر مكلفًا.

ويقول "وجدت عازل الصوت سيكلف ما يقرب من 80 ألف جنيه ولا أملك هذا المبلغ الضخم، فرجعت إلى أسيوط، اقترح عليا أحد أقاربي -يعمل فني تكييفات- باستخدام العازل الحراري في مكيف الهواء، وقام بتجربة هذه الفكرة نجح الأمر". 

"العاب الطفولة"


وعلى غرار الغرف الثلاثة والكافيه يوجد صالة مستطيلة الشكل، تتميز بإضاءة بيضاء جميلة آتيه من 6 نجفات بيضاء تتدلى من السقف، تنير للشابين الجالسين على أريكة بالقرب من الدرج تتميز بلونها الأحمر الداكن -والذي هو نفس لون النصف العلوي لحوائط هذه الصالة- وأمامهم منضدة بيضاء مستطيلة صغيرة عليها لوح لعبة الشطرنج، وبجوارها منضدة بيضاء صغيرة عليها بعض ألعاب الطفولة كالكوتشينة والشطرنج حولها كرسيين من الخشب.

الصالة

ويقابلهم أريكتين ومنضدة مماثلتين لها، في نهاية الصالة جمعت ذكريات طفولة جيل التسعينيات في مجموعة الصور، صورة لعمرو دياب بتيشرته المشهور وثانية للبان السحري، وثالثة لكابتن ماجد وأخري للتليفون ذات القرص الدوار.


على جانبي المدخل في الأعلى يوجد المكان المخصص للتدخين "المجلس العربي"، وهو طرقتين صغيرتين متقابلتين بهما بعض الوسائد الإسفنجية الملونة وجدران بيضاء رسمت عليها دفاية أسفل مكتبة على الطراز البريطاني، مع إضاءة يضاء جميلة. 

المجلس العربي

يقول وليد: "هذا المكان كان جراج للسيارات لذلك عانينا كثيرا حتى يصل إلى ما هو عليه الآن، تكسير وإعادة بناء المدخل، وإصلاح السباكة لعمل حمامين صغيرين على جانبي الدرج من أسفل كان أكثر شيء أرهقنا".

ويضيف "منع التدخين إلا في المكان المخصص له عمل على استقطاب عدد كبير من البنات على خلاف المراكز الأخرى التي لا تدخلها الفتيات، كما استقطب نوع خاص من الشباب مما ساعدنا في الحفاظ على سمعة المكان". 

هذه الألعاب والسينما والاسم عملت على تكوين طابع خاص وشهرة واسعة للمركز على الرغم من أن عمره شهرين فقط دون دعاية حتى الآن، إلا صفحة على الفيس بوك عليها صور للمكان من الداخل.

السبت، 1 أبريل 2017

"مديحة جاب الله" .. أول كفيفة تحصل على شهادة محو الأمية

"مديحة" أول كفيفة تحصل على شهادة محو الأمية .. تصوير-إسراء محارب

كتبت - نورهان دسوقي

ممسكة بأدوات القراءة والكتابة ومحتضنة إياهم، كأنها تجدهم سلاحًا لها، فعند النظر إليها تجد في طلتها الإصرار والصمود، فضلاً على تلك الابتسامة التي لا تفارق وجهها حين تكتب أو تقرأ وكأنها تمد نفسها بطاقة أمل وتحدي تدفعها لاستكمال ما بدأت، أنها "مديحة جاب الله" الفتاة العشرينية من قرية دندرة بمحافظة قنا.

فقدت مديحة بصرها بعمر الست شهور نتيجة خطأ طبي أثناء إجراء عملية بعينيها، الأمر الذي جعل فكرة التعليم غير مطروحة في مرحلة الطفولة، خاصة لم يكن هناك مدرسة للمكفوفين بقنا، اكتفت مديحة بحفظ القرآن الكريم، حيث كانت تستمع إلى أشرطة الكاسيت وتردد مع الشيخ وتحفظ، فضلاً عن إنصاتها إلى أخواتها أثناء المذاكرة، والتقاط أذانها لبعض الأحرف والكلمات مع وصف شكل الأحرف لها.


زيارة مديحة لطبيب العيون الخاص بها غيرت من مجرى حياتها، حيث لاحظ تمتعها بقدر كافي من الثقافة، فضلاً عن رغبتها الشديدة في التعلم، فاقترح عليها الذهاب إلى مدرسة النور للمكفوفين بقنا، ففرحت كثيرًا وذهبت للاستفسار إلا أن فرحتها تلاشت سريعًا حين وجدت أن أقصى سن للالتحاق 12 عام وهي تجاوزت الـ 19 عام.

تملكها اليأس وتركت فكرة التعليم إلى أن لعبت الصدفة دورعظيم، فذات يوم كانت ذاهبة للسوق برفقة والدتها، حيث التقت شخص يدعى محمود النجار، الذي لاحظ مديحة وهي تجري عملية حسابية بالأشياء التي قامت والدتها بشرائها، فتصف مديحة ما حدث قائلة: "دار حوار بيني وبينه، واكتشفت بالصدفة أنه بيشتغل مدرس بمدرسة النور للمكفوفين، وعرض عليا أروح المدرسة ويعلمني بنفسه".

بالفعل ذهبت مديحة إلى المدرسة، وكان ذلك بشكل ودي غير رسمى، حيث كانت تحضر يومين بالأسبوع، وبدأت تتعلم الأساسيات والحروف بطريقة برايل في كتاب اسمه "مبادئ برايل"، وتضيف مديحة "تعلمت المبادئ في شهرين على الرغم من أن تعلمها يأخذ على الأقل سنتين".

مديحة وهي تقرأ بطريقة برايل

تواجه مديحة صعوبة أخرى، فبعد أن أنهت مرحلة تعلم القراءة والكتابة، أرادت أن تحصل على شهادة محو الأمية للالتحاق بالمرحلة الإعدادية بالمدرسة بشكل رسمي، لكن للأسف لم يكن هناك فصل لمحو أمية المكفوفين بقنا فلا يوجد سوى فصل بأسوان.

تحكي مديحة مبتسمة "أرشدني مدير المدرسة أن أتوجه لجمعية تنمية المرأة بقنا، لأنها تعطي امتحان مباشر لمحو الأمية لكن للمبصرين فقط، عرضت حالتي عليهم فأرشدوني للتواصل مع رئيس هيئة محو الأمية بقنا آنذاك، وبالفعل تواصلت معه ثم قدم لي طلب وقمت بإرساله للفرع الرئيسي لهيئة محو الأمية بالقاهرة، وتواصلوا معي من القاهرة وكانوا متعاونين وسمحوا لي أن اجتاز امتحان محو الأمية للمكفوفين من فرع أسوان، ونظرًا لحالتي أرسلوا لي الامتحان وأعدوا لي لجنة خاصة".

وبعد أن اجتازت الامتحان بـ 10 أيام عَلِمَت أنها نجحت وحصلت على الشهادة وأصبحت أول كفيفة تحصل على محو الأمية بمحافظة قنا، ومن ثم التحقت بالإعدادية في مدرسة النور للمكفوفين كطالبة منازل، وهي حاليًا طالبة في أولى ثانوي بعمر الثالثة والعشرين، ونتيجة كفاح مديحة؛ تم فتح فصل لمحو أمية المكفوفين بقنا عام 2014م، لتلبية أحلام وطموحات غيرها من المكفوفين.


وكما كانت مديحة متفوقة دراسيًا، فهي أيضًا تمتلك موهبة الغناء، ولجمال صوتها استعانت بها المدرسة لتحي حفل المولد النبوي.

مديحة لديها رغبة بأن تصبح طالبة نظامية بالمدرسة، حتى تستطيع المتابعة مع المدرسين والإقامة بالمدرسة، نظرًا لأنها توفر مبيت للطلاب لتوفرعليها الجهد وصعوبة المواصلات، فأكثر ما يزعجها نظام المنازل نظرًا لأن هذا النظام محروم من أشياء كثيرة منها: الكتب المدرسية، ودخول المكتبة، وأدوات الكتابة، وممارسة الأنشطة المختلفة والرحلات وغيرها، مما يشعرها بالحزن على الرغم أن إدارة المدرسة تتعاون معها ومتعاطفة مع حالتها وتقدم لها الكثير ولكن على استحياء، كما ترغب في إنهاء الثانوية والالتحاق بكلية الآداب قسم التاريخ.