الجمعة، 11 مارس 2016

أحلام "علي" بائع المناديل الجميل


شيماء شوقي

"تاخدي مناديل يا أبله؟"، التفت لأجد ولدا على وجهه ابتسامة جميلة، رغم ما يبدو على وجهه من إرهاق وملابسه التي تعبت من اللف معه في شوارع مدينة نجع حمادي. 


شجعتني ابتسامته على الحديث معه، جلسنا على مقهى قريب، وافق أن يشرب شيئا بعد إلحاح شديد، عرفت أن اسمه علي، عمره 9 سنوات، ويعيش في قرية تبعد عن نجع حمادي بضعة كيلومترات، يأتي إلى هنا ليبيع مناديله الورقية التي يكسب منها جنيهات قليلة تساعده وأسرته المكونة من والدته وثمانية من الأشقاء والشقيقات على العيش، بعد أن هجرهم والده الذي تزوج من سيدة أخرى.    

قطع علي حديثه مركزا على شاشة التليفزيون التي كانت تعرض حلقة من برنامج مسابقات الأطفال "ذا فويس كيدز"، كان علي ينظر لهم بابتسامة واسعة لم أعرف تفسيرا لها، هل تخيل نفسه أحد هؤلاء الأطفال الذين كانوا بصحبة أهلهم يملأون الدنيا غناءا وبهجة، لا أعرف ولم اسأله.

واصل علي قصته أنه في البداية وهو في الصف الأول الابتدائي كان يخرج مع أخيه الذي يكبره بعامين الي الشارع ليبتاع المناديل كان يذهب معه لكي يحفظ الشوارع والطرقات إلي أن حفظ كيف يسير في شوارع المدينة التي تبعد عن قريته عشرات الكيلو مترات "علي" هو ترتيبه الثالث في عدد إخوته الأولاد قرر أن يتحمل المسئولية و يخرج للعمل حتى يساعد والدته ولا يجعلها هي أو أحدي أخواته البنات يعملوا.

عمل علي في عدة مهن، مرة صبي لبائع خضروات ثم ماسح لزجاج إحدى الصيدليات ولكن لم يدم عمله بعد سفر صاحب الصيدلية، ثم عاد إلي مهنه المناديل التي يصل مكسبها ل 3 جنيهات في "الدستة"، ولكن "البقشيش" هو الذي يساعده علي المعيشة، يقول علي مبتسما "عارفة يا أبله أنا مرة واحد اداني 20 جنيه كنت فرحان خالص روحت اشتريت أكل وديته لامي، بس ساعات مش باعمل بفلوس يعني مرة ماعملتش حاجة قولت الحمد لله روحت البيت علي كده وتاني يوم عملت ب35 جنيه".

علي تلميذ في الصف الثالث الابتدائي وهو مواظب على دراسته ودائما يذهب إلى المدرسة ما عدا الأيام التي لم يكن معه مصاريف له أو للمنزل، لكنه يحب الدراسة ويتمنى أن يكمل تعليمه ويصبح مدرسا "أنا نفسي أشتغل شغل ثابت لإني تعبت من اللف وبيع المناديل لإني عايز أساعد أمي وأخليها هي واخواتي مش محتاجين حاجة".

بعد انتهاء حواري مع علي عرضت عليه أن اشتري له غداء ولكنه رفض وقال "أنا شبعان يا أبله"، وغادر علي دون أن يوافق علي عزومتي، وبعدها شاهدته يشتري بعض السندوتشات من إحدى عربات الطعام الموجودة بالشارع، وقتها تعجبت من شده القناعة الموجودة في هذا الطفل وتمنيت أن تكون القناعة صفة كل إنسان مسئول حتى لا يكون "علي " وكثيرون مثله في هذا الوضع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق