الخميس، 24 مارس 2016

أسماء: اليوم قبل 16 عاما تعرضت للختان


المصدر: ديلي نيوز إيجبت
إكرام كمال

في طريقي إلى الكلية لم يكن بالنسبة لي يوما كباقي الأيام، فاليوم أستعيد ذكرى حدثت لي منذ ستة عشر عاما تقريبا، كنت قلقة مرتبكة تظهر على ملامحي علامات الوجع والألم، دخلت إلى المحاضرة ولم أفكر في شيء غير أني سأقوم بشراء الكثير من الحلويات التي تحبها ابنة أختى "ملك" ذات الخمس سنوات تعويضا عما حدث لها اليوم.



هكذا بدأت "أسماء" ذات الواحد وعشرين عاما بسرد قصتها، بين ملامح تنم عن ألم دفين وكلمات لا تريد أن تكسر حاجز الصمت..

تقول أسماء أنها عندما عادت إلى المنزل أول ما قامت به هو السؤال عنها:

- فين ملك؟

- نايمة

- نايمة لدلوقت؟

- أيوة اصلا اللي طاهرتها إدتهم منوم الاول قبل ما تطاهرها هي والبنات

لم أع وقت سمعت تلك الكلمات غير أني تفوهت بالكثير من الكلام اعتراضا على ذلك الوضع، واستفسرت كثيرا عن مدى تأثير المنوم على صحتها، وأكد لي البعض أنه لا خطورة فى ذلك، وعلى الرغم من عدم اقتناعي لكني حاولت إقناع نفسي بهذا الكلام لأنى لا أملك خيارا آخر.

استيقظت "ملك" في اليوم الثاني بعد ختانها، وقبل ذلك لم تستيقظ إلا مرتين عشر دقائق أول أقل فى المرة. كان الجميع في حالة ترقب لما سيحدث بعد ذلك وما سيعقبه من ألم لها ولكني كنت فى عالم آخر، رائحتها، ألمها، خوفنا عليها، قطعة القماش المليئة بالكمون وحبة البركة الملفوفة على رسغها، والملاءة التى تلتف حول نصفها الاسفل، كل تلك الأشياء لا تثير إلا ذكريات لم أرد أن تعود مرة أخرى.

فقد صحوت فى ذاك اليوم منذ ستة عشر عاما، وقمت باختيار أجمل الملابس التي أمتلكها بمفردي احتفالا بالذهاب إلى مكان لا أعلمه ولكنى كنت سعيدة لمجرد خروجى مع أمي، أخذتني أمي ومررنا فى طريقنا على محبوبتي جدتى "فاطمة" رحمة الله عليها والدة أبي، وقد كانت تتمتع بصحة جيدة فى ذاك الوقت على الرغم من كبر سنها وشعرها الأبيض الأملس الذي يشبه فى ملمسه شعر الماعز.

وضعت لي جدتي قطعة من القماش بها شيء أسود ولفته حول رسغي، وزدت فرحا بها وكلمات التهاني والدعوات تنهال من فمها لي ولأمي، ذهبنا أنا وأمي بعدها إلى بيت عمتي المجاور لبيت جدتي وقد كان يتكون من عدد من الحجرات وصالة كبيرة والجدران مدهونة بالجير الأبيض، دخلت مع أمي فى حجرة بها ثلاث نساء وجاءت ابنة عمتي "سعيدة" وهي في عمر أمي تقريبا للسؤال عني وقالت "يلا خلصوا عشان إحنا سايبين باقي البنات تحت عشان ما يتخلعوش"، تحولت مظاهر السعادة والفرحة على وجهي إلى علامات استفهام كثيرة لم تخل من القلق والخوف.

قامت اثنتان من النساء بالإمساك برجلي الاثنتين وأمي وابنة عمتي قامتا بإمساك يدي جيدا وقاموا بتثبيتي، وبدأت فى الصراخ بمجرد تثبيتي بتلك الطريقة، وقامت امرأة نحيفة صغيرة دقيقة الأنف - شعرت وقتها أنها تشبه العفاريت الذين نراهم فى أفلام الرعب - بإمساك شيء يشبه موس الحلاقة الذي أراه فى يد والدى عندما يقوم بحلاقة ذقنه، لا أتذكر جيدا كل الصراخ والبكاء الذي صدر مني بعد وضع هذا الشيء بين رجلي من الألم أم من منظر الدماء التي رأيتها.

لفتني والدتي بملاءة وحملتني إلى الحجرة المجاورة وأنا ما أزال أصرخ وأبكي بصوت مرتفع ولكني صمت فجأة عندما أمرتني أمي بذلك حتى لا أخيف "لبنى" ابنة "سعيدة" بنت عمتي التي سيختنوها بعد مني، وأتذكر أيضا أني لا زلت أكره تلك المرأة التي فعلت ذلك بي وقطعت جزءا مني لأجل عادات وتقاليد لا أساس لها من الصحة، وصدمتي عندما علمت أنها ممرضة والمفترض أنها ملاك رحمة.

إن من أصعب الأوقات التي مررت بها بعد ختاني هي أول مرة تبولت فيها، فقد صرخت وتألمت كما لم أفعل أثناء قطع جزء منى وأنا لا أعلم لماذا، فأتذكر أن اللون الأصفر الذي أراه دائما تحول إلى بحر من الدماء يسري بين قدمى، والشيء الطريف الذي يهون عليّ قليلا تلك الذكريات المؤلمة هو جمعي للنقود التي يدسها بين يدي أو تحت (الخدادية) التي أنام عليها النساء اللائي يقمن بزيارتي وإخبار أمي أنها لي بما أني التى أتألم.

الآن وبعد كل تلك السنوات عندما أرى النساء يحملن بناتهن الرضيعات على أياديهن أدعو الله من قلبي أن يظلوا يحملوا تلك الابتسامة البريئة وألا تضيعها هذه التجربة المريرة المؤلمة التي لن تفارقهن ذكراها ما حيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق