الخميس، 11 أغسطس 2016

قصة حب في الكنيسة الألمانية البروتستانتية بالقاهرة

محررات مصر الناس في حوارهم مع مدام حسيب

كتبت: "جهاد الصياد، أحلام المنسي، سمر بهنساوي، دينا العقيلي، نورا أحمد"

"سأترك ألمانيا لأعيش في مصر". كلمات نزلت كالصاعقة على أهلها عندما أخبرتهم بإعتزام السفر وترك كل شيء ورائها في بلدها، وعند سؤالها عن سبب التغير المفاجىء جاءت إجابتها ببساطة ووضوح: " لاجل الحب".

إنها مدام "حسيب" (كما طلبت أن نسميها ووناديها بهذا اللقب المحبب إلى قلبها) السيدة الألمانية التي استسلمت لدقات قلبها ومعها تغيرت مجريات حياتها. يميزها بساطتها وجمال ملامحها المفعمة بالحيوية ووجود خطوط بوجهها تعكس عدم مفارقة الإبتسامة لها، رغم اقترابها من مشارف الثمانين عامًا.

عادت بذاكرتها للوراء، وروت أنها كانت في الثمانية عشر من عمرها تعيش حياة مستقرة في ألمانيا حتى جاء "حسيب" ذلك الشاب المصري المسلم ليُكمل دراسته بإحدى جامعات بلدها في مجال الزراعة، وتقابلا وسرعان ما نشأ الحب بينهما وقررا الزواج، لتتنقل فصول القصة فيما بعد إلى مصر.

تنهدت وهي تنظر في اتجاه الصليب داخل الكنيسة الألمانية الكائنة في شارع الجلاء حيث قابلناها قائلة: حسيب هو إللي جابني هنا بعد ما عرِف إن الكنيسة ألمانية - برتوستانتية عشان محسش بالغربة لأن كل إللى هنا ألمان وبناكل وبنغني ونتكلم ألماني".

من داخل الكنيسة الألمانية البروتستانية

والكنيسة الألمانية تم بناؤها عام 1912 ميلادية، ويتسم معمارها بالبساطة ويعد أهم ما يميزها وجود آلة "الاورغن" وهي واحدة من الآلات الموسيقية المعروفة في أوروبا ويُستعان بها في ترانيم الصلاة.

ويشبه "الأورغن" آلة البيانو ويتصل بأنابيب معدنية هوائية تملأ أرجاء الكنيسة بالموسيقى، وأحيانًا تستخدمه فرق الأوبرا لإقامة حفلات موسيقية داخل الكنيسة.

وقالت مدام حسيب، أن رغم وجود نحو 2500 ألماني في مصر إلا أنه لم يعد يقبل الكثيرين على الصلاة في الكنيسة بسبب بعدها عن مقار إقاماتهم ولتفادي ازدحام العاصمة، مما يضطر القسيس أحيانًا إلى الصلاة بها بمفردها لعدم حضور غيرها وذلك مراعاةً لارتباطها بالكنيسة وكبر سنها وتقديرأً للمسافة الطويلة التي تقطعها "مدام حسيب " للمجئ إلى الكنيسة وهو ما يخالق طقوس الصلاة المعتادة حيث يستوجب حضور عدد من الأفراد.

هذه الكنيسة تفتح أبوابها دائما للمسيحيين الألمان بل وغير الألمان أيضًا فيأتى إليها مصلين من جنسيات مختلفة مثل الأريتريين والأثيوبيين حيث يقبلون للصلاة في الكنيسة وإقامة شعائرهم فيها خاصة وأنه لا توجد كنيسة مستقلة لهم في مصر. ويأتي هؤلاء في أيام مختلفة عن تلك التي يصلي فيها الألمان حتى يستطيعوا القيام بطقوس بلدانهم التي تختلف عن طقوس المسيحيين البروتستانت. 

وذكرت مدام حسيب وأسمها الأصلي " روز"، أن الكنيسة هادئة مستقرة طوال الوقت لم يعكر صفوها سوى ماحدث عند تفجير القنصلية الإيطالية التي تقع على بعد أمتار قليلة منها والذي أسفر عن تهشم الزجاج الملون المزين به جدران الكنيسة.

و قالت بلهجة عربية ركيكة لكنها محببة للقلب " الكنيسة كان هادى كتير ولما إتفجر القنصلية هنا قريب آثرت على جدران الكنيسة وكان في زجاج ملون حلو كتير مميز لأنه قديم مفيش حد يعرف يعمل زيه دلوقتى كله إتكسر، بس إتكلمنا مع المسؤلين في ألمانيا وقمنا بإصلاحه ". 

وعادت مدام حسيب مجددًا تتحدث عن حب العمر الذي دفعها لإتخاذ قرارًا قاسيًا بترك وطنها وأهلها إلا أنه كان الدواء الذي خفف داء الغربة خاصة بعدما أنجبت أبنائها الثلاثة يونس وجيهان ومريم.

أما عن صعوبة الحال في مصر عند وصولها قبل قرابة نصف قرن، تقول: "عملت كل حاجة في البيت من غير ما حد يساعدني، واتعلمت الطبيخ المصري واشتريت القماش علشان أفصل الفساتين اللى مش موجود هنا ليا وللبنات "

وأضافت وابتسامة عريضة تعلو شفتيها "أنا أم شاطرة أنا عملت كل ده عشان بحب حسيب ومش قدرت أسيبه".

ولا تنكر روز مرورها بلحظات تسلل فيها الشعور بالندم إلى نفسها لترك وطنها حيث تمنت العودة إليه، وقالت في هذا الإطار " الحياة مش كله حلو ساعات في أيام صعب وحسيب مرتبه كان قليل والعربي كمان صعب عليا حتى لغاية دلوقتي، كمان مصر زحمة أوي ولما باجي الكنيسة من بيتي في الدقي بيكون الوقت طويل خصوصا يوم الأحد عشان الصلاة وافتكر في مرة سبت عربيتي في الدقي ومشيت لغاية المترو عشان الزحمة ".

وعلى المستوى الإنساني واظبت مدام "حسيب" على المشاركة في الأعمال الخيرية حيث كانت تصنع "الكيك" وتبيعه في "البازار" الذي تقيمه الكنيسة في المدرسة الألمانية بالدقي والذي يشارك فيه نحو 4 آلاف شخص سنويًا وذلك قبل أعياد "الكريسماس"، ويتم التبرع بالربح للمؤسسات الخيرية المصرية.

وعلى الرغم من كل الأحداث والتغيرات التي عاشتها "مدام حسيب" في مصر ومن سفر أولادها للعمل بألمانيا ووفاة زوجها المصري –منذ ستة أشهر- إلا أنها لم تفكر بعد في العودة إلى ألمانيا، وقالت: "بحب مصر دي بلدي".

هناك تعليق واحد: